لا تزال فعاليات النسخة الخامسة من ملتقى قمرة السينمائي 2019، والذي تنظمه سنوياً مؤسسة الدوحة للأفلام، تتوالى بحيث تمتلئ فضاءات الساحة المركزية وقاعات متحف الفن الإسلامي، إلى جانب المركز الإعلامي في سوق واقف، بصنّاع الأفلام الشباب التوّاقين إلى دخول عوالم إبداعية جديدة والغرف من مخزون المدرّبين والخبراء السينمائيين العملي والعلمي والثقافي.
وقد حفل اليوم الرابع من الملتقى بورش العمل واللقاءات المثمرة بين المخرجين الواعدين الذين يخوضون تجاربهم الإخراجية الأولى أو الثانية مع خبراء السينما الدوليين، وكذلك بالندوات الدراسية لصنّاع الأفلام بارزين، والعروض السينمائية للأفلام الطويلة من صناعة خبراء قمرة السينمائيين، وكذلك تلك الحاصلة على دعم وتمويل من مؤسسة الدوحة للأفلام. وقد كان لندوة قمرة الدراسية هذه المرة أهمية خاصة مع مشاركة خبير قمرة الحائز على جائزة الأوسكار المخرج البولندي بافل بافليكوفسكي الذي تحدث عن طريقته المرنة في صناعة الأفلام، ونصح صنّاع الأفلام الصاعدين بالخروج عن الأنماط السائدة لجعل القصص والشخصيات أكثر حيوية.
بافليكوفسكي، أسهب خلال الندوة في شرح كيفية تطوّره كصانع أفلام من خلال عرض مقاطع من ثلاثة من أفلامه: "المنتج الأخير" (2000)، "إمرأة في الخامسة" (2011)، و"إيدا" (2015) الحائز على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم. وكشف المخرج البولندي عن إداركه رغبته في القيام بالأمور بطريقة مختلفة في بداية مسيرته المهنية كمخرج للأفلام الوثائقية في شبكة بي بي سي، وأضاف قائلاً: "أرى أن وظيفتي صانع الأفلام تتمثل في إحياء الفكرة، وأحياناً يتطلب ذلك الخروج عما هو سائد. في بدايات أفلامي، أدركت رغبتي في عدم القيام بتقرير بسيط، بل بالنظر إلى العالم بطريقة مبدعة. أردت الخروج عن نطاق الأعراف السائدة في صناعة الأفلام الوثائقية في ذلك الوقت"، وصرّح بأن تجربته في صناعة الأفلام الوثائقية علّمته أن يفكر بسرعة، وأن "يرى العالم من خلال الصور والأصوات"، ولهذا السبب لا يلتزم تماماً بالنصوص ويسمح للممثلين والكاتبين بالارتجال خلال التصوير.
وبالإضافة إلى تقديم أفكاره حول طريقته الإبداعية لصناع الأفلام الصاعدين، تحدث بافليكوفسكي عن المواضيع الشائعة في أفلامه مثل العلاقة بين الأمهات وأبنائهن، والحب، والهجرة. وحول السرد القصصي في السينما قال: "ليس عليكم أن تصرّحوا بكل شيء حرفياً، بل أن تثقوا بالجمهور لتخيّل الباقي، واحرصوا دائمًا على أن تكون شخصياتكم في قلب القصة وليس في سياقات سياسية أو اجتماعية".
وفي ختام ندوته، تمحورت كلمة بولكوفسكي الأخيرة حول الحكمة في صنع القرار والتحرير الذاتي، وقال: "لستم بحاجة إلى رواية قصتكم أكثر من اللازم. نصيحتي لصنّاع الأفلام الصاعدين هي اكتشاف هويتكم وذوقكم وميولكم. يتعين عليكم القيام بذلك لتكونوا آمنين وواثقين بدرجة كافية لاتخاذ قرارات إبداعية صعبة".
وفي المقابل، يشارك عدد من المخرجين القطريين الشباب بمشاريعهم في الملتقى، وأثنوا على دوره الفعّال في تطوير وتعزيز الصناعة الإبداعية المحلية، وتقديم منصة مخصصة تتيح لهم التواصل مع البعض من أبرز أعضاء مجتمع صناعة الأفلام العالمي. وخلال جلسة قمرة، تحدثت حميدة عيسى عن فيلمها "مكاين الروح" وهو أول فيلم وثائقي طويل قطري ضمن فئة الأفلام التي لا تزال قيد التنفيذ في قمرة 2019، والذي يتناول رحلتها كأول امرأة قطرية تسافر إلى القارة القطبية الجنوبية بحثاً عن الأمل في مستقبل مستدام قبل أن تعود إلى بلدها للبحث عن الإلهام اللازم لإحداث التغيير الإيجابي. وعن الملتقى لفتت عيسى إلى أنه يلعب دوراً هاماً في مساعدة القطريين الشباب – وخاصة النساء منهم – لسرد قصصهم للعالم. وقالت: "إن النصائح التي أتلقاها من الأشخاص في مجال صناعة الأفلام حول فيلمي تساعدني كثيراً، خاصة الآن في مرحلة الإنتاج. بعد الانتهاء من ذلك، أريد أن ينتشر فيلمي، وآمل أن تساعدني العلاقات التي أقيمها هنا في القيام بذلك".
من جهتها، أكدت الجوهرة آل ثاني، التي تُقدم مشروع فيلم طويل في ملتقى قمرة السينمائي للسنة الثانية على التوالي: "لقد حضرت جميع نسخ قمرة، والتجربة التي مررت بها في كل سنة كانت حقاً مذهلة. لقد أحضرت فيلمي الأخير "خزامى" إلى قمرة العام الماضي لأني أردت تقوية الشخصية الرئيسة في الفيلم، والتي تتمثل في فتاة بدوية رُميت في عالم من العنف والتحديات. لقد حصلت على ردود فعل إيجابية من خبراء صناعة الأفلام، وقمت بتغيير الشخصية كلياً".
من جهتها، اعتبرت هند فخرو، مخرجة الفيلم الطويل "خلف الأبواب المغلقة"، الذي لا يزال في مرحلة التطوير، أنه سيتوجب على الجماهير أثناء مشاهدة الفيلم التفكير ملياً حول الرواية خلف عدسات الكاميرا. وأضافت: ملتقى قمرة السينمائي فرصة رائعة بالنسبة إلي للحصول على الملاحظات التي ستساعدني على تحسين عملي. لا توجد منصة عمل مشابهة لقمرة في هذا الجزء من العالم. لقد ساعدني الملتقى على الشعور بحماسة أكبر لمواصلة مسيرتي المهنية في صناعة الأفلام وبكل ثقة". في وقت يتناول فيه فيلم صانع الأفلام والفنان البصري خليفة آل ثاني القصير "حدود"، والذي لا يزال في مرحلة التطوير أيضاً، تجربة رجل من الشرق الأوسط في محاولة عبور أمن المطار. ووصف خليفة الفيلم بكونه "دراسة حول الحكم"، وأضاف بقوله: "أنا هنا في قمرة للسنة الثانية بفيلم جديد، وأرغب في معرفة ما يتوجب علي فعله لتحسين هذه القصة. هذه المبادرة في غاية الروعة لصنّاع الأفلام العرب الشباب للتعلم من خبراء صناعة الأفلام العالميين والمساهمة في تطوير الصناعة".